الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد ،
[ 1 ] إصلاح التصوف يبدأ بإصلاح أخطاء التصوف : تجديد التصوف يبدأ أول ما يبدأ بإصلاح الأخطاء التي تراكمت على التصوف بفعل الأزمان والسنين ، ويكون ذلك برفض دعاوى الاتحاد والحلول والوحدة المطلقة على معناها الفلسفي المرفوض ، ورفض كل دعاوى الشطح لأنها نقص ورعونه ، ورفض كل دعاوى مخالفة الحقيقة للشريعة ، ومخالفة الظاهر للباطن ، وانكار تلك الدعاوى الفاجرة ، فلولا الظاهر ما حفظ الباطن ، ورفض كل دعاوى سقوط التكاليف عن الواصل ، لأنه بذلك واصلٌ إلى جهنم وسقر ، وتصفية السلوك من المخالفات الشرعية ، وتنزيه الذكر عن الغناء والرقص والطبل والمعازف ، واحترام جناب الشريعة عند الأضرحة والقباب ، وتصفية الأذكار والأدعية عن الألفاظ الغريبة ، والدعاوى العريضة ، والمبالغات الفجة ، والبراءة من أدعياء التصوف ، والبراءة مما يحدث في احتفالات الصوفية ومجامعهم من الجهل والبدع والمنكرات والمخالفات والأخطاء ، والبراءة من الممارسات الخاطئة ، والتحذير من المخالفات الشائعة بين مدعي التصوف ، واعتماد مبدأ التصفية للتراث الصوفي العريض مما علق به من أخطاء ، ومما نسب إليه زوراً وبهتاناً من أعداء التصوف الصحيح ، ومما نسب إلي الاولياء الصالحين زوراً وبهتاناً ، وهم أجل الناس عن النطق به ، مثل ما نسبوه إلى أبي يزيد البسطامي ، وعبد القادر الجيلاني ، وابن عربي ، من العظائم والمكفرات ، واعتماد مبدأ التصفية للتراث الصوفي العريض مما علق به من مخالفات عقائدية ، واعتماد مبدأ التصفية للتراث الصوفي العريض مما علق به من مخالفات شرعية ، واعتماد ومبدأ التجديد والإحياء للتصوف الإسلامي الصحيح الصافي القائم على الكتاب والسنة ،
[ 2 ] فضل التصوف على غيره : ذكرنا أنّ علوم الدين الأساسية المستنبطة ثلاثة هي علم الفقه ويتناول الحلال والحرام والعبادات والمعاملات ، وعلم العقيدة ويتناول أركان الإيمان ، وعلم التصوف ويتناول الأخلاق والسلوك والتزكية ، وهم علم عظيم يتناول أعلى مراتب الدين ( مرتبة الإحسان ) ، وفي بيان فضله قال الغزالي في الإحياء : "علم التصوف فرض عين ، إذ لا يخلو أحد من عيب أو مرض إلا الأنبياء عليهم السلام ، للعصمة التي لهم معجزة" ، ويقصد بالعيب هنا العيب الأخلاقي كالشح والغضب والبذاءة والجبن والخيانة وغيرها. والمرض هنا هو المرض القلبي كالشك والكبر والعجب والرياء وحب الدنيا وغيرها ، وقال الجنيد : " لو علمت أن تحت أديم السماء أشرف من هذا العلم الذي نتكلم فيه مع أصحابنا لسعيت إليه " ، وكذلك قال الشاذلي : "من لم يتغلغل في علمنا هذا مات مصراً على الكبائر وهو لا يشعر" ، وقال سلطان العلماء العز بن عبد السلام رضي الله عنه : "والله ما قعد على قواعد الشريعة التي لا تنهدم إلا الصوفية" ، وقال السراج الطوسي في كتابه "اللمع" - عن علم التصوف - : "وقلّ من تراه يشتغل بهذا العلم الذي ذكرنا ، لأن هذا علم الخصوص؛ ممزوج بالمرارة والغصص ، وسماعه يُضعف الركبتين ، ويُحزن القلب ويُدمع العين ، ويُصغر العظيم ويُعظم الصغير ، فكيف استعماله ومباشرته وذوقه ومنازلته وليس للنفس في منازلته حظ ؛ لأنه منوط بأمانة النفوس ، وفقد المحسوس ، ومجانبة المراد. فمن أجل ذلك ترك العلماء هذا العلم ، واشتغلوا باستعمال علم يُخف عليهم المؤن ، ويحثهم على التوسيع والرخص والتأويلات ، وقد يكون أقرب إلى الحظوظ البشرية ، وأخف تحملا على النفوس التي جبلت على متابعة الحظوظ والمنافرة عن الحقوق" ، وقال الحسن البصري : - عندما قيل له : فلان فقيه - ، فقال الحسن : "وهل رأيت فقيها قط ؟ إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة البصير بأمر دينه ، وهذه الأقوال السابقة تتناول : الصوفي الصادق الذي لا يريد إلا رضا الله لا أدعياء التصوف الذين ربما يريدون بتعلمه الوصول إلى الكرامات والخوارق والرياسات وتبرك الناس ، علم التصوف ( التزكية ) من أهم علوم الإسلام إن لم يكن أهمها وله علماؤه الربانيون المتخصصون الذين أرشدوا ملايين المسلمين إلى تزكية القلوب وإرشاد المسلمين في السلوك إلى منازل السابقين المقربين ، وهو العلم به المخرج من تدسية النفس إلى تزكيتها وفلاحها ، وقد قال تعالى : { قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها } ، ولا يبلغ مقامات المقربين إلا من سلك وتزكت نفسه وصفا قلبه حتى صار أهلا لنظر الحق تعالى ، وخير شاهد على ضرورة التصوف وتزكية النفس ، وعلى شرف هذا العلم على سائر العلوم قصة إبليس اللعين ، فإبليس الرجيم كان من أكثر الخلق عبادة لله حتى فاق الملائكة ، ولكن كل ذلك لم ينفعه بشيء لحظة الامتحان حيث تكشفت تلك الآفة الخطيرة وظهرت من نفس غير مزكاة ، ألا وهي آفة الكبر التي أوردته المهالك وقادته إلى كفر الجحود ، فمن أين للناس العلم بتزكية نفوسهم ليتجنبوا الهلاك بتلك الآفة أو غيرها ، أليس أهل التصوف ( أهل التزكية ) هم المتخصصون في هذا العلم ، ولا عبرة بالمسميات والمصطلحات فكلمة تصوف تعني التزكية ، وهو مصطلح إن تحقق معناه فلا يضر إهماله أو استبداله ،
[ 3 ] وجوب أخذ التصوف عن أهله المتخصصين : إن أهل الله العارفين ، والسالكين الذين جاهدوا في الله فاهتدوا وصاروا من المحسنين قد أجمعوا على حقيقة ثابتة وقاعدة راسخة في علم التزكية وسلوك صراط الله المستقيم وهي أنه : ما أفلح من أفلح إلا بصحبة المفلحين ، وما صدق من صدق إلا بالاتصال بالصادقين ، والشاهد على ذلك قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية )) [ رواه أبو داود ] ، ولا سبيل لإتقان أي علم إلا بمجالسة أهله والأخذ عنهم ، ولا مناص لطالب التخلق بالأخلاق السنية والتحقق بالمقامات العلية والاطلاع على الحقائق الأصلية من الجلوس بين يدي أهله المتخصصين ،